لماذا سميت بالسورة التغابن



نسبة للآية 9 من السورة :
" يوم يجمعكم ليوم الجمع ذلك يوم التغابن ومن يؤمن بالله ويعمل صالحا يكفر عنه سيئاته ويدخله جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا ذلك الفوز العظيم "
سميت سورة التغابن ‏بهذا ‏الاسم ‏لاشتمال ‏السورة ‏على التغابن ‏من ‏جانب ‏كل ‏من ‏المؤمنين ‏بعدم ‏زيادة ‏الطاعة ‏والكافر ‏لتركه ‏الإيمان‎. و يوم التغابن هو يوم القيامة . فالتغابن هو أن يغبن القوم بعضهم بعضا، ومنه قيل : يوم التغابن ليوم القيامة، كما قال ابن عباس، وذلك أن أهل الجنة يغبنون أهل النار، قال مقاتل بن حيان: لا غبن أعظم من أن يدخل هؤلاء إلى الجنة، ويذهب بأولئك إلى النار .

قال: القرطبي - رحمه الله - في تفسيره: وسمي يوم القيامة بيوم التغابن لأنه يغبن فيه أهل الجنة أهل النار، أي أن أهل الجنة أخذوا الجنة، وأخذ أهل النار النار على طريق المبادلة، فوقع الغبن لأجل مبادلتهم الخير بالشر، والجيد بالرديء، والنعيم بالعذاب، يقال : غبنت فلانا، إذا بايعته أو شاريته فكان النقص عليه والغلبة لك، وكذا أهل الجنة وأهل النار.
و فى لسان العرب لابن منظور : والغَبْنُ في البيع والشراء: الوَكْسُ، غَبَنَه يَغْبِنُه غَبْناً هذا الأَكثر أَي خدَعه، وقد غُبِنَ فهو مَغْبُونٌ، والتَّغَابُن: أَن يَغْبِنَ القومُ بعضهم بعضاً. ويوم التَّغَابُن: يوم البعث، من ذلك، وقيل: سمي بذلك لأَن أَهل الجنة يَغْبِنُ فيه أَهلَ النار بما يصير إليه أَهل الجنة من النعيم ويَلْقَى فيه أَهلُ النار من العذاب الجحيم، ويَغْبِنُ من ارتفعت منزلتُه في الجنة مَنْ كان دُونَ منزلته، وضرب الله ذلك مثلاً للشراء والبيع كما قال تعالى: هل أدُلُّكُم على تجارة تُنْجيكم من عذاب أَليم؟ وسئل الحسن عن قوله تعالى: ذلك يومُ التَّغابُنِ؛ فقال: غَبَنَ أَهلُ الجنة أَهلَ النار أَي اسْتَنْقَصُوا عقولَهم باختيارهم الكفر على الإِيمان. ونَظَر الحَسَنُ إلى رجل غَبَنَ آخر في بيع فقال: إن هذا يَغْبِنُ عقلَك أَي يَنْقُصه. وغَبَيْتُ الرجلَ أغْباه أَشَدَّ الغِباء، وهو مثل الغَبْنِ. ورجل غَبِينٌ ومَغْبُونٌ في الرأْي والعقل والدِّين : أى ضعيف ناقص . غَبِنْتُ كذا من حقي عند فلان أَي نسيته وغَلِطْتُ فيه.وغَبَنَ الرجلَ يَغْبِنُه غَبْناً: مَرَّ به وهو مائلٌ فلم يره ولم يَفْطُنْ له. والغَبْنُ: ضعف الرأْي، يقال في رأْيه غَبْنٌ. وغَبِنَ رَأْيَه، بالكسر، إذا نُقِصَه، فهو غَبِين أَي ضعيف الرأْي، وفيه غَبانَة. وغَبِنَ رأْيُه، بالكسر، غَبَناً وغَبَانة: ضَعُف.والغَبْنُ: النِّسيان.الغَبْنُ، بالتسكين، في البيع، والغَبَنُ، بالتحريك، في الرأْي.وغَبِنْتَ رأْيَك أَي نَسِيته وضَيَّعْته. غَبِنَ الشيءَ وغَبِنَ فيه غَبْناً وغَبَناً: نسيه وأَغفله وجهله؛ أَنشد ابن الأَعرابي:غَبِنْتُمْ تَتابُعَ آلائِنا،وحُسْنَ الجِوارِ، وقُرْبَ النَّسَب.
 
أى أن يوم التغابن هو اليوم الذى يظهر فيه للكفار كم كانوا أغبياء و أنهم قد خـُدِعوا و أنهم قد ظلموا أنفسهم ، و أنهم اختاروا البضاعة الرديئة و هم يظنون أنها الممتازة ، و يظهر لهم أن من ظنوهم قد اختاروا البضاعة الرديئة اتضح لهم أنهم هم الذين حصلوا على البضاعة الممتازة . فالكافر و المسئ يظن المؤمن و المصلح مخدوع و غبى فى الدنيا حتى إذا جاء وعد الآخرة فوجئ ببعد نظر المؤمنين و المصلحين و بقصر نظره هو .
و ربما هو بمعنى تبادل الأدوار و انقلاب الأحوال و انعكاسها و رد المظالم ، فمن كان فى الدنيا فى النعيم أصبح اليوم فى الجحيم ، و من كان فى الدنيا معذبا و مضطهدا و فى سجن فالدنيا سجن المؤمن و جنة الكافر ،  أصبح اليوم فى النعيم المقيم .
سورة باسم (التغابن) لقوله تعالى فيها: يَوْمَ يَجْمَعُكُمْ لِيَوْم الْجَمْعِ ذَلِكَ يَوْمُ التَّغَابُنِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللهِ وَيَعْمَلْ صَالِحاً يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ . وكما نلاحظ فإن أسماء القيامة في القرآن متعددة ، وقد استعمل في هذا الآية اسمين منها ، وهذه نقطة مهمة لا أدري هل تعرض المفسرون لها وما هو الارتباط بين الاسمين : الجمع والتغابن ، ولماذا قال: يَوْمَ يَجْمَعُكُمْ لِيَوْمِ الْجَمْعِ، فأشار إلى جمع لغير يوم الجمع، وما الفرق بين قوله تعالى: يَجْمَعُكُمْ لِيَوْمِ الْجَمْعِ، وقوله: ثُمَّ يَجْمَعُكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَة، (سورة الجاثـية: 26) ثم لماذا استعمل هنا الإشارة بالبعيد فقال: ذَلِكَ يَوْمُ التَّغَابُنِ ؟!
مهما يكن ، فقد سميت السورة بالتغابن وهو من التفاعل ، فما السر في هذا التفاعل التغابني؟ وأي معان عظيمة ولطائف يقصدها الله تعالى من التغابن بين البشر في يوم القيامة ؟
إنه يفتح للعبد يوم القيامة على كل يوم من أيام عمره أربع وعشرون خزانة عدد ساعات الليل والنهار . فخزانة يجدها مملوءة نوراً وسروراً ، فيناله عند مشاهدتها من الفرح والسرور ما لو وزع على أهل النار لأدهشهم عن الإحساس بألم النار ، وهي الساعة التي أطاع فيها ربه.
ثم يفتح له خزانة أخرى فيراها مظلمة منتنة مفزعة، فيناله منها عند مشاهدتها من الفزع والجزع ما لو قسم على أهل الجنة لنغص عليهم نعيمها، وهي الساعة التي عصى فيها ربه !
ثم يفتح له خزانة أخرى فيراها خالية ليس فيها ما يسره ولا يسوؤه، وهي الساعة التي نام فيها ، أو اشتغل فيها بشئ من مباحات الدنيا ، فيناله من الغبن والأسف على فواتها حيث كان متمكناً من أن يملأها حسنات، ما لا يوصف . ومن هذا قوله تعالى: ذَلِكَ يَوْمُ التَّغَابُنِ
فكل ساعة من عمر أحدنا خزانة ، لابد أن يفتحها يومئذ ليرى بماذا ملأها: اقرأ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً . (سورة الإسراء:14 ) ونلاحظ أن تفسير التغابن عند الخزانة الثالثة عندما يرى تلك الخزانة الفارغة الخالية ، فالغبن هو أن يكون ما حصل عليه أقل مما ذهب منه ، أن يكون المثمن أقل من الثمن إلى حد الغبن! وبهذا الغبن اهتزت قاعدة: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ، وجعلت أصالة اللزوم في العقود في الشريعة من أجل تدارك ما فات بالغبن! إن الفقيه الذي يفقه خيار الغبن، يجب أن يفهم سورة التغابن ، ويدرك هذا الحديث النبوي ، وينظر في ساعات عمره التي تمضي ، خاصة في الظرف الممتاز من ساعات العمر ، كيف يجب أن يستفيد منها؟!

ليست هناك تعليقات:

جميع الحقوق محفوظة لدى مدونة مستر ابوعلى| إتفاقية الإستخدام | Privacy-Policy| سياسة الخصوصية

تصميم : مستر ابوعلى