(وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ إِيَّاهُ ...)
بقلم : د زغلول النجار - التاريخ : 2013-04-08
من أسرار القرآن
(442) (وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ إِيَّاهُ ...)
(سورة الإسراء:23)
بقلم د.زغلول النجار
هذا النص القرآني الكريم الذي جاء في الخمس الأول من سورة الإسراء جاء بالأمر الإلهي إلي خاتم الأنبياء والمرسلين- صلي الله عليه وسلم- يقول له فيه: أمر ربك يا محمد ألا تعبدوا أحدا سواه.
وفي ذلك تأكيد علي ضرورة أن يقصر العبد من الخلق المكلفين خضوعه بالعبودية والطاعة لله - سبحانه وتعالي- وحده. وهذا التوحيد الخالص لله - تعالي- علمه ربنا - تبارك وتعالي- لأبوينا آدم وحواء- عليهما السلام- لحظة خلقهما, وغرسه في جبلة كل فرد من بني آدم, ثم أنزله علي سلسلة طويلة من الأنبياء والمرسلين. ولكن الشيطان كان دوما بالمرصاد للإنسان, وكان أوسع أبواب غواية الشيطان للإنسان هو باب الإشراك بالله. ويذكر لنا رسول الله - صلي الله عليه وسلم- أن الشيطان لم يستطع أن يخرج فردا واحدا من بني آدم من التوحيد إلي الشرك إلا في زمن قوم نوح فيقول: كان بين آدم ونوح عشرة قرون كلها علي شريعة الحق (الحاكم).
ويروي ابن عباس - رضي الله عنهما- أن رجالا صالحين من قوم نوح هلكوا فوسوس الشيطان إلي قومهم أن انصبوا إلي مجالسهم التي كانوا يجلسون فيها أنصابا وسموها بأسمائهم, ففعلوا ولم تعبد حتى إذا هلك أولئك, وتنسخ العلم عبدت (البخاري).
وكانت هذه هي أول وثنية في تاريخ البشرية, فبعث الله - تعالي- عبده ونبيه نوح -عليه السلام- يدعو قومه إلي التوحيد من جديد, ولبث فيهم ألف سنة إلا خمسين عاما مكررا علي مسامعهم: (أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ). وعلي الرغم من طول فترة دعوته لقومه إلا أنه لم يؤمن معه إلا عدد قليل منهم, وعندما يئس من هدايتهم دعا الله - تعالي- عليهم, فجاء الطوفان الذي قضي عليهم وطهر الأرض من شركهم.
وبقيت معصية الشرك بالله هي أوسع أبواب الشيطان إلي غواية الإنسان حتى يضله, فيرسل الله - تعالي- أنبياءه ورسله بنفس الدعوة الواحد تلو الآخر وتعصاهم أقوامهم, فينزل بهم عقاب الله. وقدهلك بذلك أمم كثيرة من المشركين, حتى كانت بعثة الرسول الخاتم - صلي الله عليه وسلم- فأنزل الله - تعالي- إليه أمره القاطع الذي يقول له فيه: (وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ إِيَّاهُ....) ويؤكد ربنا هذا الحكم القاطع في العديد من الآيات القرآنية التي منها قوله-تعالي-: (إِنَّ اللَّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاءُ وَمَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْماً عَظِيماً) ( النساء: 48).
ووحدانية الله - تعالي- تتجلي في خلق الكون كله من عنصر واحد (هو غاز الأيدروجين), كما تتجلي في بناء الكون كله علي نظام واحد (من الذرة إلي المجموعة الشمسية, إلي المجرة, ومن الخلية الحية إلي الجسد الكامل للإنسان). كما تتأكد الوحدانية المطلقة للخالق - سبحانه وتعالي- في أنه خلق جميع خلقه في زوجية واضحة أو مستترة (من اللبنات الأولية للمادة إلي الإنسان).
وإفراد الخالق بالوحدانية المطلقة فوق جميع خلقه هو مقام من مقامات العبودية الحقة, لأنه يجعل في قلب العبد مراقبة دائمة لخالقه, ولا يوجد عند الإنسان من ضوابط السلوك ما هو أفضل من ذلك لأن التوحيد يغرس في الإنسان مخافة ربه, والحرص علي طلب مرضاته بالتزام أوامره واجتناب نواهيه. من هنا وصف رسول الله - صلي الله عليه وسلم- الإحسان عندما سئل عنه بقوله الشريف:".. أن تعبد الله كأنك تراه, فإن لم تكن تراه فإنه يراك".
وتوحيد الخالق هو تعظيم لمقام الألوهية, وتنزيه لهذا المقام عن جميع صفات المخلوقين وتكريم للإنسان الموحد. وعلي النقيض من ذلك فإن الشرك فيه انتقاص من مقام الألوهية وامتهان لكرامة المشرك لأنه يعبد غير خالقه. وإذا نظرنا في أحوال المشركين والكفار الذين يملئون جنبات الأرض اليوم وجدنا أن منهم من يعبد الحجر ومن يعبد الشجر ومن يعبد البشر ومن يعبد مختلف أنواع الحيوانات. وهذا فيه من الامتهان لكرامة الإنسان ما لا يمكن وصفه بالكلام.
وعلي النقيض من ذلك فإن عبادة الله - تعالي- وحده فيها تكريم للإنسان, ودعوة إلي الإيمان بالغيب وهو من أهم ركائز العقيدة الإسلامية لأن بدونه لا يمكن للإنسان أن يفهم حقيقة رسالته في هذه الحياة, ولا أن يعرف مصيره من بعدها وهي من ضرورات سعادته في هذه الحياة ونجاته في الآخرة.
من هنا يتضح وجه من أوجه الإعجاز التشريعي في كتاب الله بالتأكيد علي حقيقة وحدانية الخالق - سبحانه وتعالي- ونفي جميع صور الشرك أو الكفر به, ولذلك قال- تعالي- : ( فَاعْلَمْ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَاكُمْ) (محمد:19).
بقلم : د زغلول النجار - التاريخ : 2013-04-08
من أسرار القرآن
(442) (وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ إِيَّاهُ ...)
(سورة الإسراء:23)
بقلم د.زغلول النجار
هذا النص القرآني الكريم الذي جاء في الخمس الأول من سورة الإسراء جاء بالأمر الإلهي إلي خاتم الأنبياء والمرسلين- صلي الله عليه وسلم- يقول له فيه: أمر ربك يا محمد ألا تعبدوا أحدا سواه.
وفي ذلك تأكيد علي ضرورة أن يقصر العبد من الخلق المكلفين خضوعه بالعبودية والطاعة لله - سبحانه وتعالي- وحده. وهذا التوحيد الخالص لله - تعالي- علمه ربنا - تبارك وتعالي- لأبوينا آدم وحواء- عليهما السلام- لحظة خلقهما, وغرسه في جبلة كل فرد من بني آدم, ثم أنزله علي سلسلة طويلة من الأنبياء والمرسلين. ولكن الشيطان كان دوما بالمرصاد للإنسان, وكان أوسع أبواب غواية الشيطان للإنسان هو باب الإشراك بالله. ويذكر لنا رسول الله - صلي الله عليه وسلم- أن الشيطان لم يستطع أن يخرج فردا واحدا من بني آدم من التوحيد إلي الشرك إلا في زمن قوم نوح فيقول: كان بين آدم ونوح عشرة قرون كلها علي شريعة الحق (الحاكم).
ويروي ابن عباس - رضي الله عنهما- أن رجالا صالحين من قوم نوح هلكوا فوسوس الشيطان إلي قومهم أن انصبوا إلي مجالسهم التي كانوا يجلسون فيها أنصابا وسموها بأسمائهم, ففعلوا ولم تعبد حتى إذا هلك أولئك, وتنسخ العلم عبدت (البخاري).
وكانت هذه هي أول وثنية في تاريخ البشرية, فبعث الله - تعالي- عبده ونبيه نوح -عليه السلام- يدعو قومه إلي التوحيد من جديد, ولبث فيهم ألف سنة إلا خمسين عاما مكررا علي مسامعهم: (أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ). وعلي الرغم من طول فترة دعوته لقومه إلا أنه لم يؤمن معه إلا عدد قليل منهم, وعندما يئس من هدايتهم دعا الله - تعالي- عليهم, فجاء الطوفان الذي قضي عليهم وطهر الأرض من شركهم.
وبقيت معصية الشرك بالله هي أوسع أبواب الشيطان إلي غواية الإنسان حتى يضله, فيرسل الله - تعالي- أنبياءه ورسله بنفس الدعوة الواحد تلو الآخر وتعصاهم أقوامهم, فينزل بهم عقاب الله. وقدهلك بذلك أمم كثيرة من المشركين, حتى كانت بعثة الرسول الخاتم - صلي الله عليه وسلم- فأنزل الله - تعالي- إليه أمره القاطع الذي يقول له فيه: (وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ إِيَّاهُ....) ويؤكد ربنا هذا الحكم القاطع في العديد من الآيات القرآنية التي منها قوله-تعالي-: (إِنَّ اللَّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاءُ وَمَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْماً عَظِيماً) ( النساء: 48).
ووحدانية الله - تعالي- تتجلي في خلق الكون كله من عنصر واحد (هو غاز الأيدروجين), كما تتجلي في بناء الكون كله علي نظام واحد (من الذرة إلي المجموعة الشمسية, إلي المجرة, ومن الخلية الحية إلي الجسد الكامل للإنسان). كما تتأكد الوحدانية المطلقة للخالق - سبحانه وتعالي- في أنه خلق جميع خلقه في زوجية واضحة أو مستترة (من اللبنات الأولية للمادة إلي الإنسان).
وإفراد الخالق بالوحدانية المطلقة فوق جميع خلقه هو مقام من مقامات العبودية الحقة, لأنه يجعل في قلب العبد مراقبة دائمة لخالقه, ولا يوجد عند الإنسان من ضوابط السلوك ما هو أفضل من ذلك لأن التوحيد يغرس في الإنسان مخافة ربه, والحرص علي طلب مرضاته بالتزام أوامره واجتناب نواهيه. من هنا وصف رسول الله - صلي الله عليه وسلم- الإحسان عندما سئل عنه بقوله الشريف:".. أن تعبد الله كأنك تراه, فإن لم تكن تراه فإنه يراك".
وتوحيد الخالق هو تعظيم لمقام الألوهية, وتنزيه لهذا المقام عن جميع صفات المخلوقين وتكريم للإنسان الموحد. وعلي النقيض من ذلك فإن الشرك فيه انتقاص من مقام الألوهية وامتهان لكرامة المشرك لأنه يعبد غير خالقه. وإذا نظرنا في أحوال المشركين والكفار الذين يملئون جنبات الأرض اليوم وجدنا أن منهم من يعبد الحجر ومن يعبد الشجر ومن يعبد البشر ومن يعبد مختلف أنواع الحيوانات. وهذا فيه من الامتهان لكرامة الإنسان ما لا يمكن وصفه بالكلام.
وعلي النقيض من ذلك فإن عبادة الله - تعالي- وحده فيها تكريم للإنسان, ودعوة إلي الإيمان بالغيب وهو من أهم ركائز العقيدة الإسلامية لأن بدونه لا يمكن للإنسان أن يفهم حقيقة رسالته في هذه الحياة, ولا أن يعرف مصيره من بعدها وهي من ضرورات سعادته في هذه الحياة ونجاته في الآخرة.
من هنا يتضح وجه من أوجه الإعجاز التشريعي في كتاب الله بالتأكيد علي حقيقة وحدانية الخالق - سبحانه وتعالي- ونفي جميع صور الشرك أو الكفر به, ولذلك قال- تعالي- : ( فَاعْلَمْ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَاكُمْ) (محمد:19).
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق