(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً ) بقلم : د زغلول النجار - التاريخ : 2013-04-01
من أسرار القرآن
(441) (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلاَ تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ)
سورة البقرة(208)
بقلم د. زغلول النجار
هذه الآية الكريمة نداء من الله - تعالي- إلي جميع الذين آمنوا به أن يطبقوا الإسلام بشموله, ويحققوه أمرا واقعا في حياتهم حتى يفوزوا بالنجاح في الدنيا, وبالنجاة في الآخرة. فالإسلام هو دين الله, الذي علمه لأبينا آدم- عليه السلام- لحظة خلقه, ثم أنزله علي سلسلة طويلة من الأنبياء والمرسلين, ثم أكمله وحفظه في القرآن الكريم, وفي سنة خاتم النبيين, وتعهد بحفظهما تعهدا مطلقا حتى يبقي هذان المرجعان مصدر الهداية الربانية لجميع الخلق إلي أن يشاء الله.
والإنسان محتاج إلي هذه الهداية الربانية حتى يعرف أنه مخلوق مكرم خلقه ربنا - تبارك وتعالي- بيديه, ونفخ فيه من روحه, وعلمه من علمه, وأسكنه الجنة, ثم استخلفه في الأرض وحدد له فيها رسالة ذات شقين: أولهما عبادة الله - تعالي- بما أمر وثانيهما حسن القيام بواجب الاستخلاف في الأرض بعمارتها, وإقامة شرع الله في ربوعها. والإنسان مطالب بالاجتهاد في هذين المجالين حتى يوافيه أجله المحتوم الذي ليس له من بعده إلا القبر وحسابه, والبعث وأهواله, ثم الحشر والحساب والجزاء بالخلود إما في الجنة وإما في النار.
والآية الكريمة تحذر المؤمنين من تتبع خطوات الشيطان عدوهم المبين. ومعركة الشيطان مع الإنسان قديمة قدم الإنسان ذاته. فهو الذي أخرج أبوينا آدم وحواء من الجنة, وهو الذي جري بالوقيعة بين ولديهما حتى قتل أحدهما أخاه ظلما وعدوانا. ولم يزل الشيطان يتربص بذرية آدم حتى أخرج قوم نوح من التوحيد إلي الشرك, ومن الاستقامة علي منهج الله إلي الخروج عنه, والفجور فيه. واستمر حال الشيطان مع بني آدم علي هذا المنوال في كل أمة من الأمم, حتى أضل غالبية أهل الأرض, علي الرغم من تعدد رسالات السماء.
والإنسان منا محتاج إلي الدين بركائزه الأربع الأساسية: العقيدة, والعبادة, والأخلاق والمعاملات. وهذه الركائز إما تقع في دائرة الغيب المطلق كقضية العقيدة التي تقوم علي الإيمان بالغيب, أو في دائرة الأوامر الإلهية الخالصة كدائرة العبادات, أو في دائرة ضوابط السلوك كالأخلاق والمعاملات. وتاريخ الإنسان يؤكد علي عجزه عن وضع أي ضوابط صحيحة لنفسه في أي من هذه المجالات. من هنا كانت ضرورة الدين, وضرورة أن يكون الدين عملا إلهيا خالصا, لا يداخله أدني قدر من المداخلات البشرية, ولذلك قال- تعالي: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً) أي: طبقوا الإسلام تطبيقا كاملا في حياتكم, وحافظوا علي فرائضه, واعملوا بشرائعه, وارفضوا كل ما خالف دينكم من نظم موضوعة, وشرائع مصطنعة تناقض دين الله وتتعدي حدوده. وذلك لأن الفساد في المجتمعات البشرية يبدأه الشيطان بإفساد العقيدة, وبفسادها يفسد كل من العبادات والأخلاق والمعاملات. وإذا فسد كل ذلك ساد المجتمعات الإنسانية الكذب, والغش والخداع, وخراب الذمم, ونقض العهود والعقود والمواثيق, وأكل أموال الناس بالباطل, وسيادة المظالم والانحرافات السلوكية وغير ذلك من مختلف صور الفساد.
وعلي النقيض من ذلك فإن المجتمع الإسلامي يقوم علي أساس من إدراك الفرد لحقيقة عبوديته لله, ولتفاصيل رسالته في هذه الحياة, ولحتمية مصيره من بعدها, ولحقيقة أن أعماله محصية عليه, فيحاسب نفسه قبل أن يحاسب, ويزن أعماله قبل أن توزن عليه. ومجتمع هذه صفاته هو مجتمع يحكمه شرع الله, ويسوده الشعور بالإخاء, ويعمه العدل في القضاء, وينشر فيه الأمن والسلام, والثقة والاطمئنان, والرضا والاستقرار المنبعث من حقيقة الإيمان بالله, واليقين في حتمية الرجوع إليه. والمجتمع الإسلامي هو مجتمع تكفل فيه الحريات, وتصان فيه الكرامات, ويحتكم فيه إلي شرع الله, ويرجع فيه إلي الشورى.
وهذا المجتمع المسلم هو الذي تدعو إليه الآية الكريمة المؤمنين إلي الدخول فيه كافة, مع اليقظة الدائمة من غوايات الشيطان وهمزاته, لأنه عدو للمؤمنين مبين, يسعي جاهدا لإخراجهم عن طريق الله, ولذلك تحذر الآية الكريمة من إتباع خطواته الضالة المضلة. ولذلك ختمت الآية الكريمة بقول ربنا تبارك وتعالي: (وَلاَ تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ). وهنا تتضح لمحة الإعجاز التشريعي في الآية التي اتخذناها عنوانا لهذا المقال, لأنه ليس أمام المؤمنين من خيار إلا إتباع دين الله, لأن البدائل الأخرى هي كلها من إغواءات الشيطان مهما زينها للناس.
من أسرار القرآن
(441) (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلاَ تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ)
سورة البقرة(208)
بقلم د. زغلول النجار
هذه الآية الكريمة نداء من الله - تعالي- إلي جميع الذين آمنوا به أن يطبقوا الإسلام بشموله, ويحققوه أمرا واقعا في حياتهم حتى يفوزوا بالنجاح في الدنيا, وبالنجاة في الآخرة. فالإسلام هو دين الله, الذي علمه لأبينا آدم- عليه السلام- لحظة خلقه, ثم أنزله علي سلسلة طويلة من الأنبياء والمرسلين, ثم أكمله وحفظه في القرآن الكريم, وفي سنة خاتم النبيين, وتعهد بحفظهما تعهدا مطلقا حتى يبقي هذان المرجعان مصدر الهداية الربانية لجميع الخلق إلي أن يشاء الله.
والإنسان محتاج إلي هذه الهداية الربانية حتى يعرف أنه مخلوق مكرم خلقه ربنا - تبارك وتعالي- بيديه, ونفخ فيه من روحه, وعلمه من علمه, وأسكنه الجنة, ثم استخلفه في الأرض وحدد له فيها رسالة ذات شقين: أولهما عبادة الله - تعالي- بما أمر وثانيهما حسن القيام بواجب الاستخلاف في الأرض بعمارتها, وإقامة شرع الله في ربوعها. والإنسان مطالب بالاجتهاد في هذين المجالين حتى يوافيه أجله المحتوم الذي ليس له من بعده إلا القبر وحسابه, والبعث وأهواله, ثم الحشر والحساب والجزاء بالخلود إما في الجنة وإما في النار.
والآية الكريمة تحذر المؤمنين من تتبع خطوات الشيطان عدوهم المبين. ومعركة الشيطان مع الإنسان قديمة قدم الإنسان ذاته. فهو الذي أخرج أبوينا آدم وحواء من الجنة, وهو الذي جري بالوقيعة بين ولديهما حتى قتل أحدهما أخاه ظلما وعدوانا. ولم يزل الشيطان يتربص بذرية آدم حتى أخرج قوم نوح من التوحيد إلي الشرك, ومن الاستقامة علي منهج الله إلي الخروج عنه, والفجور فيه. واستمر حال الشيطان مع بني آدم علي هذا المنوال في كل أمة من الأمم, حتى أضل غالبية أهل الأرض, علي الرغم من تعدد رسالات السماء.
والإنسان منا محتاج إلي الدين بركائزه الأربع الأساسية: العقيدة, والعبادة, والأخلاق والمعاملات. وهذه الركائز إما تقع في دائرة الغيب المطلق كقضية العقيدة التي تقوم علي الإيمان بالغيب, أو في دائرة الأوامر الإلهية الخالصة كدائرة العبادات, أو في دائرة ضوابط السلوك كالأخلاق والمعاملات. وتاريخ الإنسان يؤكد علي عجزه عن وضع أي ضوابط صحيحة لنفسه في أي من هذه المجالات. من هنا كانت ضرورة الدين, وضرورة أن يكون الدين عملا إلهيا خالصا, لا يداخله أدني قدر من المداخلات البشرية, ولذلك قال- تعالي: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً) أي: طبقوا الإسلام تطبيقا كاملا في حياتكم, وحافظوا علي فرائضه, واعملوا بشرائعه, وارفضوا كل ما خالف دينكم من نظم موضوعة, وشرائع مصطنعة تناقض دين الله وتتعدي حدوده. وذلك لأن الفساد في المجتمعات البشرية يبدأه الشيطان بإفساد العقيدة, وبفسادها يفسد كل من العبادات والأخلاق والمعاملات. وإذا فسد كل ذلك ساد المجتمعات الإنسانية الكذب, والغش والخداع, وخراب الذمم, ونقض العهود والعقود والمواثيق, وأكل أموال الناس بالباطل, وسيادة المظالم والانحرافات السلوكية وغير ذلك من مختلف صور الفساد.
وعلي النقيض من ذلك فإن المجتمع الإسلامي يقوم علي أساس من إدراك الفرد لحقيقة عبوديته لله, ولتفاصيل رسالته في هذه الحياة, ولحتمية مصيره من بعدها, ولحقيقة أن أعماله محصية عليه, فيحاسب نفسه قبل أن يحاسب, ويزن أعماله قبل أن توزن عليه. ومجتمع هذه صفاته هو مجتمع يحكمه شرع الله, ويسوده الشعور بالإخاء, ويعمه العدل في القضاء, وينشر فيه الأمن والسلام, والثقة والاطمئنان, والرضا والاستقرار المنبعث من حقيقة الإيمان بالله, واليقين في حتمية الرجوع إليه. والمجتمع الإسلامي هو مجتمع تكفل فيه الحريات, وتصان فيه الكرامات, ويحتكم فيه إلي شرع الله, ويرجع فيه إلي الشورى.
وهذا المجتمع المسلم هو الذي تدعو إليه الآية الكريمة المؤمنين إلي الدخول فيه كافة, مع اليقظة الدائمة من غوايات الشيطان وهمزاته, لأنه عدو للمؤمنين مبين, يسعي جاهدا لإخراجهم عن طريق الله, ولذلك تحذر الآية الكريمة من إتباع خطواته الضالة المضلة. ولذلك ختمت الآية الكريمة بقول ربنا تبارك وتعالي: (وَلاَ تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ). وهنا تتضح لمحة الإعجاز التشريعي في الآية التي اتخذناها عنوانا لهذا المقال, لأنه ليس أمام المؤمنين من خيار إلا إتباع دين الله, لأن البدائل الأخرى هي كلها من إغواءات الشيطان مهما زينها للناس.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق