تفسير الآيات 8 -19 أهمية الذكر وطريق التزكية

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيّدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علَّمْتنا إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علِّمنا ما ينْفعنا وانْفعنا بِما علَّمتنا وزِدْنا عِلماً، وأَرِنا الحق حقاً وارْزقنا اتِّباعه وأرِنا الباطل باطِلاً وارزُقنا اجْتنابه، واجْعلنا ممن يسْتمعون القول فَيَتَّبِعون أحْسنه وأدْخِلنا برحْمتك في عبادك الصالحين.
الآية الأولى في درس اليوم سُبقت بآيتين يتصل معناها بهما اتِّصالاً وثيقاً :
أيها الأخوة الكرام، وصلنا في سورة الأعلى إلى قوله تعالى:
﴿ فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتْ الذِّكْرَى*سَيَذَّكَّرُ مَنْ يَخْشَى*وَيَتَجَنَّبُهَا الْأَشْقَى*الَّذِي يَصْلَى النَّارَ الْكُبْرَى*ثُمَّ لَا يَمُوتُ فِيهَا وَلَا يَحْيَا*قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى*وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى*بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا*وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى*إِنَّ هَذَا لَفِي الصُّحُفِ الْأُولَى*صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى ﴾
لكن هذه الآية سُبقت بآيتين يتصل معناها بهما اتِّصالاً وثيقاً، فقال تعالى:
﴿ سَنُقْرِئُكَ فَلَا تَنسَى*إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ وَمَا يَخْفَى*وَنُيَسِّرُكَ لِلْيُسْرَى *فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتْ الذِّكْرَى ﴾
التذكير بآلاء الله ونعمائه صِنْفٌ من أصْناف الدعوة إلى الله :
نعم الله علينا لا تعد ولا تحصى
هذه الآية الأخيرة لها علاقة بما قبلها، فما قبلها قوله تعالى:
﴿ سَنُقْرِئُكَ فَلَا تَنسَى ﴾
عبءُ الحفظ ليس عليك، ولكن علينا، أنت لا تنْسى وإنَّك مُوَفَّقٌ لغايتك، سنُيَسِّرُك لليسرى، الآن بعد حفظْتَ فلا تنْسى، وبعد أنْ بشَّرك الله عز وجل بِتَيْسير دعْوَتِكَ؛ الآن فَذَكِّر إن نفعت الذكرى! وهو أمرٌ لسيِّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وينسحب بالتبعِيَّة على كلِّ مؤمن فذَكِّر، بماذا؟ بِعَظَمَةِ الله، وعدالته، وبِيَوْم الحساب وبأوامره ونواهيه، وبالدعوة إلى العمل الصالح، وبِحِفْظ الأمانة والعهْد، طبْعاً الفِعْل إذا حُذِفَ المفعول به أُضمر! لو قال الله عز وجل: َذكِّر الناس بِعَظَمَتي لصار التذكير محْدوداً، لكن فَذَكِّر بِكُلِّ شيء! سواء عليك أعَرَفْتَ الناس بالله أم ذَكَّرْتَهم باليوم الآخر، أم حَذَّرْتهم من عذاب النار، أم حَمَّسْتَهم للعمل الصالح، أم وقَّيْتَهُم من المعصية؛ كُلُّ هذا تذْكير.
سيّدنا موسى فيما يُرْوى عنه أنه قال مرَّةً في المُناجاة: يا ربّ أيُّ عبادك أحبُّ إليك حتى أُحِبَهُ بِحُبِّك؟ قال: يا موسى أحبُّ العباد إليّ تقِيُّ القلب نقِيُّ اليَدَيْن، لا يمشي إلى أحدٍ بِسوء، أحَبَّني وأحبَّ من أحَبَّني وحَبَّبَني إلى خلْقي، فقال: يا رب، إنَّكَ تعلم أنَّني أُحِبُّك، وأُحِبُّ من يُحِبُّك، فَكَيْفَ أُحَبِّبُك إلى خلْقك؟! قال: ذَكِّرْهم بآلائي، ونعْمائي، وبلائي! والفقرة الأخيرة من هذا الحديث القدسي: تُوَضِّح هذه الآية؛ أيْ ذَكِّرْهم بآلائي فإذا حَدَّثْتَ إنْساناً عن المَجَرَّة، وعن الشمس والقمر، وعن المُذَنَّبات والمسافات في الكون؛ قال تعالى:
﴿ فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ ﴾
[سورة الواقعة: 75]
هذا باب من أبواب التذكير وصِنْفٌ من أصْناف الدعوة إلى الله؛ ذَكِّرْهم بآلائي فإن ذَكَّرْتَهُم بالأرض وجاذِبِيَّتِها وحجْمها، وكُرَوِيَّتِها، ودَوَرانِها حول نفْسِها، ومَيْل مِحْوَرِها، ومائِها وبَرِّها وجبالها وأنْهارها، وإنْ ذَكَّرْتَهم بالنبات؛ أنواعه وأصْنافه وزُهوره وأشْجاره والمحاصيل والغابات، أشْجار الأخْشاب والزينة والحدود والفاكهة، والأشجار الَدائمَة الخضْرة والمُتساقطة الأوْراق، والحِكْمة من خلْقِها، وطريقة قطْفِها وحصادِها.
التذكير بالبلاء أيضاً صِنْفٌ من أصْناف الدعوة إلى الله :
البلاء في الدنيا تذكرة وعبرة
وكذا إنْ ذَكَّرْتَهُم بالحيوانات؛ مليون نوع من السمك في البِحار وأشْكالها؛ الأسْماك الكبيرة والصغيرة، والأسماك التي تنْشر بُقْعَةً من الزيت حوْلها، وأسْماك الزينة، والأسماك الحِبْرِيَّة تنشر بقعة من الحبر تخْتفي بها، وأسْماك القاع، كل هذا ضِمْن فَذَكّر إن نفعت الذكرى، وكذا لو ذَكَّرْت الإنسان بِخَلْقه؛ كيف أنه خُلِقَ من ماء مهين، وعضلاته وشرايينه وأعْصابه، وأوْرِدَته وأجْهزته المُتَعَدِّدة، كيف يُحاكم ويُفَكِّر ويتذكَّر؟ وكيف ينْبض قلبه؟ وكيف يتنفَّس؟ وكيف يهضم الطعام؟ وكيف يلقي الفضلات؟ فالتذكير بالآلاء هذه فقْرة، والتذْكير بالنَّعْماء، هذا الهواء الذي نسْتنشقه ما سرُّ ثبات نِسَبِهِ؟ الأوكسجين إلى الآزوت نِسَبٌ ثابتة، مع أنَّ بني البشر يتنفَّسون منذ آدم وحتى قِيام الساعة، والنبات يتنفس؛ فمن جعل هذه النِّسْبة ثابتة؟ ومن خلق حركة الرِّياح، جعل قطبين وخط اسْتواء، وصحارى، وجُزر، يقول لك: مُنْخَفَض مُتَمَرْكز فوق قُبْرُص، قُبْرُص لها وظيفة كبيرة في أمطار الشرق الأوسط، من خلق هذه النِّعَم؟ هذه كلها نِعَمٌ، وكذا البلاء؛ ذَكِّرْهم بالفيضانات والزلازل، قال تعالى:
﴿ قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَاباً مِنْ فَوْقِكُمْ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ انْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الْآَيَاتِ لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ ﴾
[سورة الأنعام: 65]
الأمراض النفسية والهم والحزن والقلق، وأنواع الأمراض؛ الأمراض المُستَعْصِيَة والمُزْعجة، الفقر والضيق والإهانة، وهناك عذاب عظيم وآخر مهين، ذَكِّرْهُم، إذاً يا محمد ذَكِّر ويا أيها المؤمن ذَكِّر.
اختلف العلماء في تفْسير كلمة (إِن) بالذات :
فذكر إن نفعت الذكرى
لكنّ الآية تقول:
﴿ فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتْ الذِّكْرَى ﴾
اختلف العلماء في تفْسير كلمة (إِن) بالذات:
1 ـكلمة (إنْ) شَرْطِيَّة أيْ إنْ نفعت الذِّكْرى فَذَكِّرْ بِشَرْط أنْ تنْفَع :
بعضهم قال: هذه إنْ شرْطِيَّة، أيْ لا تُذَكِّر إلا إنْ نفعت الذكرى، من هذا التفسير يُستنبط أقْوال كثيرة فَسَيِّدُنا علي قال: ما من أحدٍ مُحَدِّثٌ قوما حديثاً لا تبْلُغُهُ عُقولهم إلا كان عليهم فِتْنَة، هناك أثرٌ عن علي رضي الله عنه:
(( قَالَ عَلِيٌّ حَدِّثُوا النَّاسَ بِمَا يَعْرِفُونَ أَتُحِبُّونَ أَنْ يُكَذَّبَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ))
[البخاري عن علي رضي الله عنه ]
فإن كانت كلمة إنْ شَرْطِيَّة، أيْ إنْ نفعت الذِّكْرى فَذَكِّرْ، بِشَرْط أنْ تنْفَع لذلك قالوا: من تكلَّم بالحِكْمَة لِغَيْر أهلها فقد ظلمها، ومن منعها أهْلها فقد ظلمهم، فهذا معنىً.
2 ـ كلمة (إنْ)ظَرْفية بِمَعْنى حيْثُ أيْ فَذَكِّر حيث تنْفعُ الذِّكْرى :
هناك معنى آخر، وهي أنَّها بِمَعْنى حيْثُ، أيْ فَذَكِّر حيث تنْفعُ الذِّكْرى أيْ كلما وجدْتَ فُرْصَةً ذَكِّرْ، وكلما وجدْتَ وسيلةً ذَكِّرْ، وكلما وجدْتَ قلباً واعِياً ذَكِّرْ، جُلوسك مع الناس فرصة للتذكير، وكذا إنْ زارك شخْصٌ، وإذا خدمْتَ شخْصاً خِدْمَةً، وأبْدى لك اهْتِماماً كبيراً فقَلْبُ هذا الشخْص مُهَيَّأ فما عليك إلا أنْ تُذَكِّره، إذاً ذَكِرْ حيث وجدت فرصةً وقلباً واعِياً ووسيلَةً! هذا المعنى الثاني من معاني إنْ، فالمعنى الأول شَرْطي أما المعنى الثاني ظَرْفي.
3 ـبِمَعْنى (إِذْ) فالذِّكْرى تنْفع دائِماً :
إن الذكرى تنفع المؤمنين
المعنى الثالث:
﴿ فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتْ الذِّكْرَى ﴾
بِمَعْنى: إِذْ، فالذِّكْرى تنْفع دائِماً قال تعالى:
﴿ وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ﴾
[ سورة آل عمران: 139 ]
بمعنى إذْ كنتم مؤمنين.




4 ـبِمَعنى (قد) أيْ ذَكِّر فقد تنْفعُ الذِّكْرى :
المعنى الرابع: بِمَعنى: قد، أيْ ذَكِّر فقد تنْفعُ الذِّكْرى.
إذاً فُسِّرَت بِمَعنى إن الشرطية، وبمعنى حيث الظرفيّة، وبمعنى قد التي تُعرب حرف تحقيق إن جاءت قبل فعل الماضي، وتُعْرب حرف تقليل إن جاءت قبل فعل مضارع، وبمعنى إن الدالة على الثبوت، فأكبر مهمّة في الحياة أمام المؤمن أن يُذَكِّر عباد الله عز وجل بالله تعالى وعظمته عن طريق آلائه ونِعَمِهِ ونِقَمِهِ، فإذا ذَكَّرْتهم بآلائه يُعَظِّمونه، وإذا ذَكَّرْتهم بِنِعَمِهِ يُحِبُّونه، وإذا ذكَّرْتهم بِبَلائه يخافونه، فلا بد أن يجتمع في قلب المؤمن الخوف والمحبّة والتعظيم، لذلك قال عليه الصلاة والسلام:
((أحبوا الله لما يغدوكم به من نعمه، وأحبوني بحبّ الله، وأحبوا أهل بيتي لحبي))
[رواه الترمذي والحاكم عن ابن عباس]
وهناك حديث آخر: "أنا جدّ كل تقي، ولو كان عبْداً حبشِياً ".
من أمر بِمَعْروف فَلْيَكُن أمرهُ بالمعْروف :
ادع لربك على قدر استطاعتك
الآيات التي قبلها، ها قد أقْرَأناك فلا تنْسى، وها قد يسَّرْناك لليُسْرى، فَذَكِّرْ التذكير مبْني على هاتين الآيتين، أو على هذين السَّبَبَيْن، فإذا الإنسان زَوَّدوه بِخُبراء، وأعْطَوْهُ دعْماً كافٍ ولم يتحَرَّك! نقول له: لم لا تتحرَّك؟! ها قد أقْرَأناك فلا تنْسى، وها قد يسَّرْناك لليُسْرى فَذَكِّر إن نفعت الذِّكْرى، هذه الآيات إذا أردْنا أنْ نسْحَبَها قليلاً للمؤمن، ها قد عرفْتَ شيئاً من كتاب الله، وها قد يسَّرْنا لك عملك في الدنيا، فلماذا لا تُذَكِّرُ بنا؟! قال تعالى:
﴿ فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ ﴾
[ سورة البقرة: 152 ]
أبعد الناس عن الهداية في الأرض فرعون! قال تعالى حكايةً عنه:
﴿ فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى ﴾
[ سورة النازعات: 24 ]
ومع ذلك قال تعالى:
﴿ اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى*فَقُولَا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى ﴾
[ سورة طه: 43-44 ]
فالإنسان لا ييأس، ذكروا أنَّ رجلاً أراد أنْ يعظ أخاه بِقَسْوة فقال له: ولم القسْوة يا أخي؟! لقد أرسل الله من هو خير منك إلى من هو شرّ منك؛ أرسل موسى إلى فرعون! من أمر بِمَعْروف فَلْيَكُن أمرهُ بالمعْروف.
أهمية الذكر كما ورد في القرآن والسُّنة :
قال تعالى:
﴿ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ ﴾
[ سورة آل عمران: 159]
هذه الآية دقيقة جداً وينبغي أن تكون في قلب كلٍّ منا، وهل نؤاخذ بما نقول؟ قال له:
((فعَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ قَالَ: كُنْتُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَفَرٍ فَأَصْبَحْتُ يَوْماً قَرِيباً مِنْهُ وَنَحْنُ نَسِيرُ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَخْبِرْنِي بِعَمَلٍ يُدْخِلُنِي الْجَنَّةَ وَيُبَاعِدُنِي عَنِ النَّارِ، قَالَ: لَقَدْ سَأَلْتَنِي عَنْ عَظِيمٍ وَإِنَّهُ لَيَسِيرٌ عَلَى مَنْ يَسَّرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ تَعْبُدُ اللَّهَ وَلَا تُشْرِكْ بِهِ شَيْئاً وَتُقِيمُ الصَّلَاةَ وَتُؤْتِي الزَّكَاةَ وَتَصُومُ رَمَضَانَ وَتَحُجُّ الْبَيْتَ، ثُمَّ قَالَ: أَلَا أَدُلُّكَ عَلَى أَبْوَابِ الْخَيْرِ الصَّوْمُ جُنَّةٌ وَالصَّدَقَةُ تُطْفِئُ الْخَطِيئَةَ كَمَا يُطْفِئُ الْمَاءُ النَّارَ وَصَلَاةُ الرَّجُلِ مِنْ جَوْفِ اللَّيْلِ، قَالَ: ثُمَّ تَلَا ( تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ ) حَتَّى بَلَغَ ( يَعْمَلُونَ ) ثُمَّ قَالَ: أَلَا أُخْبِرُكَ بِرَأْسِ الْأَمْرِ كُلِّهِ وَعَمُودِهِ وَذِرْوَةِ سَنَامِهِ، قُلْتُ: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: رَأْسُ الْأَمْرِ الْإِسْلَامُ وَعَمُودُهُ الصَّلَاةُ وَذِرْوَةُ سَنَامِهِ الْجِهَادُ، ثُمَّ قَالَ: أَلَا أُخْبِرُكَ بِمَلَاكِ ذَلِكَ كُلِّهِ؟ قُلْتُ: بَلَى يَا نَبِيَّ اللَّهِ، فَأَخَذَ بِلِسَانِهِ قَالَ: كُفَّ عَلَيْكَ هَذَا، فَقُلْتُ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ وَإِنَّا لَمُؤَاخَذُونَ بِمَا نَتَكَلَّمُ بِهِ؟ فَقَالَ: ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ يَا مُعَاذُ وَهَلْ يَكُبُّ النَّاسَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ أَوْ عَلَى مَنَاخِرِهِمْ إِلَّا حَصَائِدُ أَلْسِنَتِهِمْ؟!! ))
[الترمذي عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ ]
لا يستقيم إيمان عبْد حتى يسْتقيم قلبه، ولا يسْتقيم قلبه حتى يسْتقيم لِسانه، فهذا الإنسان لا بد أن يكون ذاكراً لله عز وجل، دخل على سيّدنا عمر بن عبد العزيز وَفْدُ الحِجازيين يتقدَّمُهُم غُلامٌ صغير لا تزيد سِنُّه عن أحدى عشْرة سنة فَغَضِبَ سيّدنا عمر وقال: يا غُلام اجْلِس! ولْيَقُمْ من هو أكبر منك سِناًّ، فقال هذا الغُلام الصغير: أصلح الله الأمير، المرءُ بِأصْغَرَيْهِ قلبه ولسانه، فإذا وَهَبَ الله العبد لِساناً لافِظاً، وقلباً حافِظاً فقد اسْتَحَقّ الكلام! ولو أنَّ الأمر كما تقول لكان من هو أحقّ منك في المجْلس.
(( أمرني ربي بتسع؛ خشية الله في السر والعلانية، كلمة العدل في الغضب والرضا، القصد في الفقر والغنى، وأن أصل من قطعني، وأن أعفو عمن ظلمني، وأن أعطي من حرمني - موطِنُ الشاهد - وأن يكون صمتي فكراً، ونطقي ذكراً، ونظري عبرة ))
[أخرجه زيادات رزين عن أبي هريرة ]
من أعطاه الله إمْكانيات التذكير به فهذا فضْلٌ كبير منه :
قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى :
((.. وَإِنْ ذَكَرَنِي فِي ملأٍ ذَكَرْتُهُ فِي ملأٍ خَيْرٍ مِنْهُمْ ..))
[ متفق عليه عن أبي هريرة ]
فإذا أعْطاك الله إمْكانيات التذكير بالله عز وجل فهذا فضْلٌ من الله عليك كبير، إذا أراد ربُّك إظْهار فضْلِهِ عليك، خلق الفضْل ونسَبَهُ إليك، والإنسان لا ينسى أهله وزوجته وأولاده وجيرانه وزملاءه وكل من يُصادف؛ فَذَكِّرْ إن نفعت الذكرى، فذَكِّر حيث نفعت الذكرى، أي في الوقت المناسب وفي القلب المناسب وبالكلام المُناسب، قال تعالى:
﴿ فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ * وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ ﴾
[ سورة الشرح: 7-8 ]
فاذكروني اذكركم
ذَكِّر إذْ نفعت الذكرى فالذِّكْرى تنْفع دائِماً، وذَكِّر بمعنى (قد) فقد تنْفع الذِّكْرى، العوام يقولون كلمة: اضرب هذه الطينة بهذا الحائط، إذا لم تُلصق تكون عبرة، فَهَمُّ المؤمن أن يدْعوَ إلى الله عز وجل قال تعالى:
﴿ قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ ﴾
[ سورة يوسف: 108 ]
ثمَّ قال تعالى:
﴿ سَيَذَّكَّرُ مَنْ يَخْشَى*وَيَتَجَنَّبُهَا الْأَشْقَى ﴾
ربنا عز وجل قال: الأشقى ولم يقل الذي لم يخْش، بِهذه البلاغة صار الذي لا يتذكر هو الأشقى، والأشقى على وزْن الأفعل وهو اسم تفْضيل، أي الأشقى إطْلاقاً؛ الأشقى في الدنيا والأشقى في الآخرة، وفي تفكيره وفي حياته الزوجيّة ومع أولاده وتِجارته وتعامله ووظيفته، وفي خريف عمره، وساعة موته والبرزخ والآخرة، قال تعالى:
﴿ سَيَذَّكَّرُ مَنْ يَخْشَى*وَيَتَجَنَّبُهَا الْأَشْقَى ﴾
الذي يتذكر هو صاحب القلب الحيّ؛ وعلامة حياة القلب الخشية.
آيات قرآنية تبين حال القلب الميِّت الذي لا يذكر ولا يخشى :
القلب الذي ينبض بالحياة هو الذي سيتذكَّر، أما القلب الميِّت فلا يذكر، وربُّنا سبحانه يقول:
﴿ أَمْوَاتٌ غَيْرُ أَحْيَاءٍ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ ﴾
[سورة النحل: 21 ]
ويقول تعالى:
﴿ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ﴾
[ سورة المنافقون: 4 ]
ويقول تعالى أيضَاً:
﴿ كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُّسْتَنفِرَةٌ﴾
[ سورة المدثر: 50 ]
ويقول تعالى:
﴿ مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَاراً بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ﴾
[ سورة الجمعة: 5 ]
الخشية أخصُّ ثمار العلم :
عين بكت من خشية الله لا تمسها النار
هذا القلب الذي لا يذكر هو قلب ميِّت، علامة الحياة الخشية، أخصُّ ثمار العلم الخشية؛ فإن لم تكن الخشية فالعلم إن وجد فلا قيمة له، سيَذَكَّر من يخشى؛ هذا الذي ينطوي على قلب حيّ علامة حياته الخشيَة فهو يذكر، وهذا الذي يعرض عن الحق هو الأشقى، ربنا عز وجل قال:
﴿ إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ*وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ ﴾
[ سورة الانفطار: 13-14 ]
بعضهم يفهم هذه الآية أنّ إطْلاقها يبْقى مطلقاً، في نعيمٍ في الدنيا والآخرة، ففي الدنيا هناك نعيم، ففي زواجه نعيم، وبين حَيِّه وجيرانه هناك نعيم، وله في الدنيا نعيم قبل الآخرة لأنه:
﴿ وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ﴾
[ سورة الرحمن: 46 ]
هذا الإطلاق على إطْلاقه، النبي الكريم صلى الله عليه وسلم يقول:
((الناس رجلان رجل بر تقي كريم على الله وفاجر شقي هين على الله))
[الترمذي والبيهقي في شعب الإيمان عن ابن عمر]
فلا يوجد حلّ وسط إما أن تكون سعيداً وإما أن تكون شَقِيّاً، إما أن تكون سعيداً بِمَعْرِفَتِه والصلة به، وإما أن يكون المرء شَقِيّاً بالابتعاد عنه والجهل به:
﴿ سَيَذَّكَّرُ مَنْ يَخْشَى*وَيَتَجَنَّبُهَا الْأَشْقَى ﴾
تبْديل الكلمات بالآيات إعْجاز، بِحَسْب تفْكير الإنسان الساذج يقول: سيَذَّكَر من يخشى ويتجنَّبُ من لا يخْشى! لما ربنا قال: الأشقى، فُهِمَ من هذا أنَّ الذي لا تنْفعه الذكرى هو الأشقى قاطبةً.
كلّ عطاء ينتهي بالموت ليس بِعَطاء :
ثمّ قال تعالى:
﴿ الَّذِي يَصْلَى النَّارَ الْكُبْرَى ﴾
فالكُبرى في أمدها، إنَّ أهل النار لَيَبْكون وإنهم ليَبْكون الدم، ولو أنّ السُّفن أُجْرِيَت في دموعهم لَجَرَتْ النار الكبرى في مُدَّتِها إلى الأبد، أكبر رقَمٍ يتصَوَّرُهُ ذِهْنُك ضَعْهُ صورة واجعل المخرج لا نهاية يكون العدد هو الصفر ألف أَلف ألْف ألف...! فأنت إذا كَسَبْتَ أكبر رقم إلى لا نهاية يصبح لا شيء، لو أخذت قلم حِبْر ووضعت حافَّتَه على كيس طحين فكم من ذرة ستلصق به؟ إذا كل ذرة طحين مليون ملْيون سنة، فكم في الكيس من مليون سنة؟ وكم في الكيسين؟ وكم لو قدرنا الموجود في القطر السوري؟ فالأبد أطول، ويصْعُب تصوّره، لما ربنا عز وجل قال:
﴿ خالدين فيها أبداً﴾
[سورة الجن: 23 ]
لذلك كلّ عطاء ينتهي بالموت فهو ليس بِعَطاء، الكريم لا يفعل هذا، مادام ينتهي بالموت فهو لا يُسمى عطاءً، سيدنا علي يقول: فلْيَنظر عاقل بِعَقْله أنَّ الله أكرم محمداً أم أهانه حين زوى عنه الدنيا؟ من قال: أهانه فقد كذب، ومن قال: أكرمه فلقد أهان غيره حيث أعْطاه الدنيا، لو أنَّ الدنيا تعدل عند الله جناح بعوضة ما سقى منها الكافر شَرْبة ماء، الدنيا جيفة طُلابها كلابها، الدنيا دار من لا دار له، ولها يسْعى من لا عقل له! إنَّ أكْيَسَكم أكثركم للموت ذِكْراً، وأحْزَمَكُم أشَدَّكم اسْتِعْداداً له، ألا وإنَّ من علامات العقل التجافي عن دار الغُرور، والإنابة إلى دار الخُلود، والتَّزَوُّد بِسُكْنى القبور، والتأهُّب بِيَوْم النشور، فالعطاء في الدنيا لا يُسَمى عطاءً:
﴿ فَأَمَّا الْإِنْسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ *وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ* كَلَّا بَل لَا تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ* وَلَا تَحَاضُّونَ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ*وَتَأْكُلُونَ التُّرَاثَ أَكْلاً لَمّاً *وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبّاً جَمّاً ﴾
[سورة الفجر: 15-20 ]
ولذلك قال ربنا عز وجل:
﴿ بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا﴾
جَهَنّم صعبة وأصعب ما فيها الخلود فيها :
إن كانت هذه نار الدنيا فكيف بنار الآخرة!!?
قال تعالى:
﴿ ثُمَّ لَا يَمُوتُ فِيهَا وَلَا يَحْيَا ﴾
ثمَّ هذه للترتيب غير الزمني لِتَرْتيب الرتبة، دُخول النار صَعْبٌ جداً والأصعب من ذلك البقاء فيها إلى الأبد، الذي يصلى النار الكبرى، والأصعب من هذا أنه لا يموت فيها ولا يحيى‍! لا يموت فَيَسْتريح، ولا يحْيى فَيَسْتريح، لا يموت فَتَنْزاح عنه هذه العذابات ولا يحْيى فَيَرْتاح منها، جَهَنّم صعبة وأصعب ما فيها الخلود فيها:
﴿ الَّذِي يَصْلَى النَّارَ الْكُبْرَى *ثُمَّ لَا يَمُوتُ فِيهَا وَلَا يَحْيَا ﴾
الذي لا يخاف من كلام الله فَمِن كلام من سَيَخاف؟‍! إذا كانت هذه الآيات التي هي من خالق الأرض والسماوات لم تخلق في نفسه خوفاً فَمِما يخاف إذاً! لذلك قال تعالى:
﴿ قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى*وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى ﴾
الفلاح أيْضاً مُطلق، نجح، وتَفَوَّقَ، سَعِد، الناس لهم مقاييس للنجاح، فَمَن حصَّل دخْلاً كبيراً قالوا: فلان نجح في حياته! وكذا ومن حصَّل منصِباً عالِياً، ومن كان ناجحاً في بيْتِهِ وأولاده ومع زوْجَتِه هذه كلها مقاييس البشر، قال عليه الصلاة والسلام:
(( إِنَّ اللَّهَ لَا يَنْظُرُ إِلَى صُوَرِكُمْ وَأَمْوَالِكُمْ، وَلَكِنْ يَنْظُرُ إِلَى قُلُوبِكُمْ وَأَعْمَالِكُمْ ))
[ مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ]
تطْهير النفس وتحْلِيَتها هو التَزَكي وهذا هو الفلاح :
ربنا عز وجل يقول:
﴿ قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى*وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى ﴾
الذي نجح وأفلح وسعِد وتفَوَّق وحقَّقَ الهدف، وسعِدَ إلى أبد الآبِدين هو من تزَكَّى، اُنظر إلى حال الناس في هذه الأيام، من مِن الناس يعْنيه أمر نفْسه؟ الناس جميعاً يعْنيهم أمر دُنياهم؛ بيْتُهُ واسع ومُزَيَّن، ومَرْكب نقْل مُريح وفَخْم، ويحْتاج إلى دخْلٍ كبير، ولا بد أنْ يسَرّ بالحياة، ولبسٌ جيّد ومظهر لائق، ووقت فراغ غَنِيّ بالنزهات والسهرات! من الذي يعْنيه أمْر نفسه؛ قد أفلح من تزكى! كُلّ هذه المظاهر المادِيَّة تنْتهي بالموت مهما عَلَوْتَ في الدنيا، ومهما كَثُرَ مالك، مهما غُصْتَ في نعيمها، يأتي الموت فَيَسْلُبُك كُلّ هذه المُتَع والمسرات والنعيم في ثانِيَة واحدة، لكن الفلاح والنجاح أن تتزَكى، ما معنى تتزَكى؟
قال بعضهم: قد أفلح من تزكى؛ أيْ مَن طَهَّرَ نفسه من الأدران الخبيثة لأن أمْراض الجسد تنتهي بالموت! لكن خَطَرَ أمراض النفْس يبْدأ بالموت، واحدٌ مُتَكَبِّر وحقود وحسود لئيم، يُحِبّ ذاته، ويقبل أن يبني مَجْدَهُ على الآخرين، وثَرْوَتَهُ على فقْرِ الآخرين، وأن يبني نفسه على إتْلاف الآخرين، وهو في الدنيا مُخَدَّر، الناس نِيام إذا ماتوا انتَبَهوا، فهذا الذي تزكى طَهَّر نفسه من كُلّ الأدران والمُيول المُنْحَرِفَة ومن كُلّ الشهوات والنقائِص فقد أفلح، ومن معاني التزكية أيضاً التَحَلِّي بالكمال والتخلِّي عن الانحرافات، فلا بد من تحْلِيَة وتَخْلِيَة، فالصباغ قبل أن يغمس القماش في الدهن يقوم بِتَنْظيفه، فإن كان في القُماش مواد زَيْتِيَّة فالصِّباغ لا يعْلق ولا يؤثر فيه، فلا بد من تحْلِيَة وتَخْلِيَة، لا بد من تطْهير النفْس من الأدران، ثمّ تَحْلِيَتِها بالكمال، فالتطْهير والتَّحْلِيَة هو التَزَكي، وهذا هو الفلاح، لأنَّهُ يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلبٍ سليم، هذا الجُمود الكبير الذي يبْذِلُهُ الإنسان في الدنيا كي يُطَهِّرَ نفسه من كُلّ دَرَنٍ وعُجْبٍ وشِرْكٍ واسْتِعْلاء وكِبْر وحِقْد وضغينة وأَثَرَة وحُبِّ الذات؛ هذه الجُهود يرى ثَمَرَتَها عند الموت قال تعالى:
﴿ سَلَامٌ قَوْلاً مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ ﴾
[ سورة يس: 58 ]
﴿ ادْخُلُوهَا بِسَلَامٍ آَمِنِينَ ﴾
[ سورة الحجر: 46 ]
﴿ فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هَاؤُمُ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ ﴾
[سورة الحاقة: 19 ]
الجَوْهر أنْ تعْرِفَ الله وأن تكْسَبَ حياتك :
قال تعالى:
﴿ كَانُوا قَلِيلاً مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ ﴾
[سورة الذاريات: 17 ]
هذه الآية واضحة ولكن هل أنت في مُسْتَواها؟! هل لك رؤيَة تنطبق على هذه الآية؟ إنْ كانت لك رؤية خِلاف هذه الآية... فإذا رأيتَ إنْساناً حَقَّقَ دخْلاً كبيراً جداً فهل تقول: هذا هو الفالح! أين الآية إذاً؟! قال تعالى: جوهر الحياة معرفة الله
﴿ فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ قَالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ ﴾
[سورة القصص: 79 ]
من لم تكن له رؤية مُطابقة لِهذه الآية فَحالُهُ خطيرة ولو فَهِمَها وحفِظَها وقرأها وتلاها في الصلاة، ليستْ العِبْرة أن تقرأ الآية إنما أن تعيشَها وأن تكون في مُسْتواها، أن تنطبق رؤيتك عليها؛ قد أفلح من تزكى، لذلك سيّدنا الصديق ما ندم على شيء من الدنيا فاته قطّ! فالحياة مُؤَقَّتَة، فإذا اختار الله لك أن تكون مُوَظَّفاً ودَخْلُك محْدود فارْضَ بِهذا، المُهِمّ أن تكون صِحَّتُكَ طيِّبَة، وإيمانك جيّد، وحياتك مُسْتَقِرَّة وهادئة، كل متاع الدنيا ليس هو جوْهر الحياة؛ الجَوْهر أنْ تعْرِفَ الله، وأن تكْسَبَ حياتك.
فَلَيْتَكَ تَحْلــو والحياةُ مريـرَة ٌ وليْتَكَ ترْضى والأنام غِضاب
وليْتَ الذي بيني و بينك عامـرٌ وبيني و بين العالمين خراب
إذا صَحَّ منك الوَصْل فالكُلّ هَيِّنٌ وكُلُّ الذي فوق التراب تُرابُ
* * *
طريق التزْكِيَة :
قال تعالى:
﴿ قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى*وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى ﴾
كيف تزْكو النفْس؟ إذا ذكَرْتَ اسم الله فَصَلَّيْت، هذا طريق التزْكِيَة، فعلى الإنسان أن يعرف أسْماء الله الحُسْنى، قال تعالى:
﴿ وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾
[سورة الأعراف: 180 ]
وقال عليه الصلاة والسلام:
(( لِلَّهِ تِسْعَةٌ وَتِسْعُونَ اسْماً مئة إِلَّا وَاحِداً لَا يَحْفَظُهَا أَحَدٌ إِلَّا دَخَلَ الْجَنَّةَ وَهُوَ وَتْرٌ يُحِبُّ الْوَتْرَ ))
[البخاري عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ]
هل عَرَفْتَ رحْمَتَهُ ولُطْفَهُ وقُدْرَتَهُ وحِكْمَتَهُ ورأْفته؟! ماذا عرفْتَ عنه إذاً سبحانه؟! إذا رأيْتَ بلاءً تقول: والله شيءٌ مُحَيِّر! أنت إذاً لا تعرف الله، وتقول: فلان يمشي على الطريق المُستقيم وكُلّ يوم مُصيبة، وفلان طريقه مُعْوَجَّة ومُرْتاح، كان هذا دليلاً على عدم معْرِفَتِك لله تعالى! كأنَّك تشُكُّ في حِكْمِتِه وعدالته، قال تعالى:
﴿ قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ وَالْآَخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنِ اتَّقَى وَلَا تُظْلَمُونَ فَتِيلاً ﴾
[سورة النساء: 77 ]
لا تزكو النفسُ إلا بمعْرِفَة الله والإقْبال عليه :
لذلك لا تزكو النفسُ إلا إذا ذكر صاحبها اسم ربِّهِ فَصَلى، فَمَنْ ذكر اسم ربِّهِ فقط لا تزْكو نفْسُهُ، فلا بد من معْرِفَة الله والإقْبال عليه، فالمعْرفة من دون تَحَرُّك لا قيمة لها، قال تعالى:
﴿ فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ ﴾
[سورة الذاريات: 50 ]
المعْرِفَة تحْتاج إلى تَحَرُّكٍ نحو الله عز وجل، حسناً ما هي العقبات التي تقف بين الناس كي يُحَقِّقوا النجاح والفلاح؟ وبين أنْ يُحَقِّقوا هذا الفلاح والتَفَوُّق؟! وبين أن يُزَكوا أنفسهم؟ وبين أن يذكروا اسم ربِّهم فَيَتَّصِلون به؟ ما العقبات؟! قال تعالى:
﴿ بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا ﴾
تُؤثِرون الدنيا العاجلة على الآخرة الباقِيَة، تُؤثِرونَ عَرَضاً سخيفاً قليلاً تافِهاً ومُؤَقَّتاً على جنَّةٍ عَرْضُها السماوات والأرض، فالله عز وجل عَرَّفَ الفلاح وطريقهُ وبيَّنَ عَقَباتِهِ، اكمل من هناااااااا

ليست هناك تعليقات:

جميع الحقوق محفوظة لدى مدونة مستر ابوعلى| إتفاقية الإستخدام | Privacy-Policy| سياسة الخصوصية

تصميم : مستر ابوعلى